يوليو 6, 2025

راية مصر

يرفعها شباب مصر

معادلة الواقع: الكيان الصهيونى ــ أمريكا = صفر

معادلة الواقع: الكيان الصهيونى ــ أمريكا = صفر
القوة الصهيونية تعيش دائماً على جهاز تنفس أمريكى… ويضخّمها العجز العربى

الكاتب : أحمد الصاوي

نقلًا عن جريدة صوت الأزهر 

لم يثبت العدوان الصهيونى الأخير على إيران، وامتداد المواجهة لـ12 يوماً قبل إعلان وقف إطلاق النار جديداً فى خرائط النفوذ والقوة فى المنطقة، لكنه أعاد التأكيد على حقيقة راسخة، مفادها أن هذا الكيان الإجرامى غير قادر على حسم مواجهة كبرى، ولا يستطيع بمفرده تحمُّل تكلفة مواجهة فيها قدر من التكافؤ، دون أن يصرخ إلى راعيته الكبرى طالباً الحسم من عندها.
بين كل الأساطير التى نسجها الإعلام الغربى وروّجها بعض المتصهينين العرب، تبقى أسطورة «المعجزة العبرية» أكثرها خداعاً، وأشدها تضليلاً. هذا الكيان الذى يزعمون أنه «وُلد من العدم»، وتحوّل إلى قوة عظمى عسكرية واقتصادية هو فى الحقيقة كيان هش بدون الرعاية الأمريكية الكاملة، غير قادر على الحياة، ولا على خوض أى معركة مصيرية بمفرده، ولا يتحمل اقتصاده المعجز 10 أيام من الطوارىء دون طلب العون والمدد.
منذ زرع هذا الكيان فى خاصرة المنطقة، لم تتوقف الولايات المتحدة عن دعمه سياسياً وعسكرياً ومالياً: مساعدات مباشرة، وضمانات قروض، ونقل التكنولوجيا، وتبادل بحثى، وتعاون استخباراتى، وأسلحة حديثة، وأنظمة دفاع متطورة، ومخازن ممتلئة دائماً بالذخائر، وحماية سياسية وقانونية، وشراكة استراتيجية فى إضعاف الخصوم، وضمان أبدى ضد الأخطار.
على مدار تاريخه، لم يخُض كيان الاحتلال حرباً حقيقية حسمها بقدراته الذاتية. ففى كل لحظة حرجة كانت الذخيرة أمريكية، والمظلة أمريكية، والخطط أمريكية، وحتى القرارات – فى بعض الأحيان- أمريكية كذلك.
كانت بصيرة الرئيس السادات حاضرة حين قال، بينما المعارك على أشدها على أرض سيناء، بعد 8 أيام فقط من انتصارنا الكبير فى العبور العظيم، إنه بات يحارب الولايات المتحدة وليس كيان الاحتلال، وكان الجسر الجوى الأمريكى يهبط بالدبابات فى مطار العريش، وعليها طاقمها، لتدخل المعركة فوراً.
وتلك أبرز الشواهد على هشاشة القوة الصهيونية وعجزها عن الحسم وحدها فى كل مواجهة عسكرية كبرى: فى حرب أكتوبر 1973، انهار الجيش الصهيونى وخطوط دفاعه الحصينة فى الأيام الأولى من العبور المصرى العظيم، ولم يستعد توازنه إلا بعد جسر جوى أمريكى هائل نقل الأسلحة والذخائر والأفراد لإنقاذه.
وبعد السابع من أكتوبر 2023، انهار كيان الاحتلال استخباراتياً وأمنياً وعسكرياً فى وجه عملية نوعية مفاجئة، ثم دخل فى حرب إبادة مفتوحة ضد غزة، ومع ذلك لم يتمكن من حسم المعركة واستعادة أسراه عسكرياً. وبدلاً من ذلك، تلقى دعماً عسكرياً أمريكياً استثنائياً: أكثر من 100 شحنة سلاح، بينها ذخائر ذكية وذخائر فسفورية، ودبابات وناقلات جند؛ لتعويض ما يُهدره من مخزونه فى قصف المدنيين.
وفى المواجهة الأخيرة مع إيران، حين نفّذت طهران أول رد مباشر داخل الكيان، لم تكن لدى تل أبيب القدرة على الاستمرار فى تحمُّل تلك التكلفة، حتى لو كانت قد حققت نجاحات فى الداخل الإيرانى، وكالعادة، لم يكن هناك حل سوى استدعاء الراعى الأمريكى ليضرب بنفسه، لعله يجلب الحسم ويضع للحرب نهاية مقبولة لكيان هش، متضخّم بإمكانات غيره وعضلات غيره.
هذا الكيان لم يُصمَّم ليكون دولة طبيعية، بل ليكون مشروعاً وظيفياً يخدم مصالح استراتيجية غربية: منصة عسكرية استخباراتية غربية فى قلب المنطقة، تتغذى على دعم دائم، استثمار استراتيجى غربى، ميليشيا فى صورة دولة، ولا فوارق وظيفية بينها وبين أى ميليشيا تعمل بالوكالة لصالح قوة إقليمية أو دولية. لكنه، فى حقيقته، مشروع بلا جذور، معلَّق فى الهواء، لا يعيش إلا فى ظل ماكينة دعم أمريكية شاملة. إذا خفَّ هذا الدعم، أو توقّف، فستظهر هشاشته فوراً، وسينهار سريعاً، وسيراه الجميع صفراً على اليسار.
العرب يعرفون ذلك أكثر من غيرهم، لكن البعض يتجاهله، محاولاً تعظيم القوة الصهيونية وتعميق العجز العربى، وعدم استخدام الأوراق المتعددة والمؤثرة مع الولايات المتحدة، لفرملة هذا الانحياز الأعمى، وهذا التجنى الصارخ على حقوق شعوب المنطقة، لإبقاء الميليشيا الصهيونية وحيدة، طليقة، تعربد بلا حسيب ولا رادع.
لم تكن «أسطورة القوة الإسرائيلية» نتاجاً للدعاية الغربية وحدها، بل شارك النظام العربى – بوعى أو بدون وعى- فى تضخيمها، حين اختار الهزيمة منهجاً، واعتبر ميزان القوى قدراً لا يمكن تغييره، وتخلّى عن معادلات الردع والتفوق الممكنة، وأهمل أدواته وأوراقه كلها وسلمها لغيره، واحتكم لعقود لفكرة أن المواجهة مع إسرائيل خاسرة دائماً، وأن ميزان القوة مختل وليس لصالحه، دون أن يُسائل نفسه عن مسئوليته عن هذا الاختلال.
ساهم أيضاً فى ترسيخ هذه الأسطورة عندما أدار صراعه مع الكيان الصهيونى على استحياء، وفشل فى توظيف أوراق الضغط السياسى والاقتصادى التى يملكها، خاصة فى علاقته بالولايات المتحدة، لفرملة الانحياز الغربى الفاضح، بل قدّم فى بعض المحطات أكبر خدمة للمشروع الصهيونى حين حوّل بعض الصراعات العربية البينية إلى أولويات يتضاءل أمامها خطر الكيان الوحيد الذى يزعزع الاستقرار فى المنطقة ويتفلت من كل القواعد والقيود القانونية والسياسية.
إن هذا التواطؤ الصامت، وهذه الإدارة الهشة للصراع، لم تصنع فقط واقعاً مختلّاً، بل رسّخت فى وعى الأجيال صورة كيان لا يُقهر، بينما الحقيقة أن ذلك الكيان – لو أُحسن التعامل معه بخطاب موحد وموقف صارم موصول بأدوات تأثير حقيقية- سينكشف هشّه، كما انكشف مراراً حين توافرت الإرادة وكُسر الصمت وبينت التجارب.
تفوقهم المزعوم مصنوع بواسطة الرعاية والدعاية، وقبل كل ذلك، صنعه العجز العربى المصنوع أيضاً، والممنوع من توحيد الكلمة، وبناء المشروع، والأخذ بأسباب العلم والقوة والتأثير.

                                                                                                                      الكاتب أحمد الصاوي  رئيس تحرير جريدة صوت الأزهر 

About The Author